‫الرئيسية‬ مقالات يومية حصر الاستعانة بالله
مقالات يومية - 17 يونيو، 2022

حصر الاستعانة بالله

حصر الاستعانة بالله

يقول السيد أبو القاسم الخوئي [طاب ثراه]: لا مانع من استعانة الانسان في مقاصده بغير الله من المخلوقات أو الافعال قال الله تعالى :{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } [البقرة: 45]. { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة: 2]. { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ } [الكهف: 95] .

وإذن فليست الاستعانة بمطلقها تنحصر بالله سبحانه بل المراد منها استعداد القدرة على العبادة منه تعالى ، والاستزادة من توفيقه لها حتى تتم وتخلص والغرض من ذلك اثبات أن العبد في أفعاله الاختيارية وسط بين الجبر والتقويض فان الفعل يصدر عن العبد باختياره ، ولذلك أسند الفعل إليه في قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إلا أن هذا الفعل الاختياري من العبد إنما يكون بعون الله له وبإمداده إياه بالقدرة آنا فآنا : عطاء غير مجذوذ بحيث لو انقطع المدد عنه في آن لم يستطع إتمام الفعل ، ولم تصدر منه عبادة ولا حسنة.وهذا هو القول الذي يقتضيه محض الايمان ، فان الجبر يلزمه أن يكون العقاب على المعاصي عقابا للعبد من غير استحقاق ، وهذا ظلم بين :{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [الإسراء: 43] .

وإن التفويض يلزمه القول بخالق غير الله فان معناه أن العبد مستقل في أفعاله ، وأنه خالق لها ، ومرجع هذا إلى تعدد الخالق وهو شرك بالله العظيم والايمان الحق بالله هو الحد الوسط بين الافراط والتفريط ، فالفعل فعل العبد وهو فاعله باختياره ، ولذلك استحق عليه الثواب أو العقاب ، والله سبحانه هو الذي يفيض على العبد الحياة والقدرة وغيرهما من مبادئ الفعل إفاضة مستمرة غير منقطعة ، فلا استقلال للعبد ، ولا تصرف له في سلطان المولى ، وقد أوضحنا هذا في بحثنا عن إعجاز القرآن.هذه هي الاستعانة المنحصرة بالله تعالى ، فلولا الافاضة الالهية لما وجد فعل من الافعال ولو تظاهرت الجن والانس على إيجاده ، فإن الممكن غير مستقل في وجوده ، فيستحيل أن يكون مستقلا في إيجاده ، وبما ذكرناه يظهر الوجه في تأخير جملة : « إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ » عن قوله : « إِيَّاكَ نَعْبُدُ » فإنه تعالى حصر العبادة بذاته أولا ، فالمؤمنون لا يعبدون إلا الله ، ثم أبان لهم أن عباداتهم إنما تصدر عنهم بعون الله وأقداره ، فالعبد رهين إفاضة الله ومشيئته ، والله أولى بحسنات العبد من نفسه ، كما أن العبد أولى بسيئاته من الله .

البيان في تفسير القرآن ص482-483

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إفتتاح الدورة الصيفية في مركز النبي محمد الثقافي صل الله عليه وآله .

تم اليوم في #مركز_النبي_محمد_الثقافي صل الله عليه وآله البدء في الدورة الصيفية الخاصة في ت…